الخميس، 23 ديسمبر 2010

مفهوم السعيد والشقي في قضاء الله وقدره



السعيد والشقي

بسم الله والحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
فأما بعد.. يقول الله تعالى:  يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [هود : 105] ،
السؤال : هل إرادة الله وقدرته تجبران الإنسان المكلف ؟ وإن لا ..  فلماذا ؟ وهل السعيد مجبر على السعادة ؟ وهل الشقي مجبر على الشقاء؟ وإذا لم يكن السعيد والشقي مجبرين , فهل هذا يعني أنهما يخلقان قدرهما؟ ومتى نحكم على سعادة السعيدة وشقاوة الشقي؟

الجواب وبالله تعالى التوفيق.
أولاًً: نقصد بالسعيد : من آمن وشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله ، وأدى ما عليه من واجبات بإخلاص واجتنب ما نُهي عنه , ونقصد بالشقي الكافربالله والعاصي لأمر الله.
وثانيا ً: أجيب على الأسئلة فأقول:  أن الله تعالى لما قضى وقدَّر على الإنسان السعادة والشقاء لم يجبره  على ذلك ولم يلزمه بإحداهما .

وقد تتساءل: وكيف ذلك مع أنك تقول قضى الله وقدّر؟
الجواب: أن قضاء الله وقدره ليسا إجباريا أو إلزاميا لمخلوق

وقد تتساءل: وكيف ذلك؟
الجواب: أن قضاء الله وقدره كانا وفقا لعلمه تعالى الأزلي.

وقد تقول: وضح لي ذلك؟
فأضرب مثالاُ لك : لو أن أستاذاً عنده فطنة خارقة ودقة ملاحظة يُدرِس مجموعة تلاميذ وقبل الامتحان النهائي توقع وأخبر الإدارة أن فلان سينجح فنجح وأن فلان سيرسب فرسب فهل يكون الأستاذ وإدارة المدرسة أجبرا الناجح والراسب على فعلهما أو أمرا بالرسوب؟
الجواب: بالتأكيد لا . والسبب: لأن الأستاذ قدّر النجاح والرسوب حسب علمه بقدرات كل تلميذ عنده. ولله المثل الأعلى : كذلك لما قضى  الله وقدَّر على خلقه الشقاء والسعادة  كان بسبب علمه الأزلي من غير إجبار  لما سيحصل ويقع من كل مخلوق ومن غير أمر بالكفر والمعصية لقوله تعالى : َ(لاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [آل عمران : 80]

وقد تتساءل: إذا لم يكن المكلف من الجن والإنس مجبراً فهل هو مُقدِّراً أفعاله أو مختاراً لها؟

الجواب : أن المكلف لا يقدِّر أفعاله لأنها مقدرة من الله أزلا فهو خالقها بقوته وقدرته وحوله ، العبد ضيف ليس له قوة الإيجاد والخلق لأفعاله ومن اعتقد ذلك نسب قوة لغير الله في الوجود وعجز لله حاشاه، وإن كان للإنسان مشيئة فهي من مشيئة الله أزلاً ، لقوله تعالى: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير : 29]  فمشيئة الإنسان المجازية هي مشيئة الله الحقيقية.. ولكن ليس للإنسان حول وقوة ذاتية في خلق أفعاله وأقواله ،

وقد تتساءل: إذا لم يكن الإنسان مجبراً ولا مُقَدِّراً لشقائه وسعادته فماذا إذاً وعلى ماذا يُبنى أنه سعيد وشقي؟

الجواب: أن الإنسان له مشيئة اختيار النية فقط ، إما أن ينوى الكفر والمعصية وإما أن ينوى الإيمان والطاعة،
لقوله تعالى : ( فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف : 29] فالله عز وجل يرسل للعبد أوراق الامتحان  على شكل خواطر الكفر والإيمان وخواطر المعصية والطاعة ، وقد أذن الله تعالى للشيطان أن يزين له الكفر والمعصية ، وأذن للرسل والعقل والفطرة السليمة أن يحببوا له الإيمان والطاعة ،  فأيُما  اختار العبد المكلف الممتحن منهما بنيته وعزم على فعله أمدَّه الله بها ، لقوله تعالى : كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء [الإسراء : 20] فالكافر يمده الله بكفره وفقاً لنيته التي نواها وعزم عليها ، لقوله تعالى : (يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة : 15] ونوعية هذا المدد هو أن يتركه ويذره الله لما نوى وهذا معنى إضلالِ اللهِ للعبد بعدله . وهو القائل :( مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأعراف : 186]،

يبقى السؤال الأخير متى نحكم على سعادة السعيدة وشقاوة الشقي؟

الجواب:عند علماء العقيدة قولان:

قال الأشاعرة : عند الموت . ومن الأدلة الصحيحة على قولهم. قال النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بخواتيمها ، (صحيح البخاري)
 وقال الماتريدية : السعادة والشقاء حالية ... يعني يحكمون على سعادته وشقاوته كل لحظة بلحظتها إنْ آمن حكموا بسعادته وإن عاد وكفر حكموا بشقاوته.

وفي الختام أقول: أن السعادة والشقاء كانا بعلم الله أزلاً وقضى وقدَّر بهما على عباده حسب علمه من غير إجبار لهم . وفي مرحلة تكوين الإنسان في رحم أمه يؤكد ملائكة الرحم هذا العلم الأزلي حيث يكتبون الشقاء والسعادة لقول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة (صحيح البخاري).

اللهم  إني نويت أن أحيى وأموت على الإيمان والإسلام وطاعتك بصدق وإخلاص  فأعنِي على ذلك ومدني من مدد هدايتك بفضلك ومَنّك وكرمك وحبك لحبيبك وعبدك محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                        دُونت  في 12/3/2010ميلادي
         بقلم الداعية الإسلامي وليد علامةالسعيد والشقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق